الأحد، 21 أغسطس 2011

ماهي حقيقة محمد باقر الصدر ولماذا قدم الخميني رأسه للموت؟




كان محمد باقر الصدر من ضمن التشكيلة الرباعية الأولى التي وضعت حجر الأساس  لتنظيم حزب الدعوة ،، بالإضافة إلى ،، محمد مهدي الحكيم ،، وهو نجل المرجع محسن الحكيم ،، وقد لعب دوراً رئيسياً في تأسيس الحزب وبناء القاعدة التنظيمية وكسب الأعضاء ،، وكذلك محمد باقر الحكيم (النجل الثاني لمحسن الحكيم) ،، وأخيراً ،، مرتضى العسكري (تضاربت المعلومات حول الفترة التي ألتحق بها في التنظيم لكن أكبر الظن أنه من التشكيلة الأولى) ،، ومن ألتحقوا بالتشكيلة الأولى فيما بعد أعتبروهم مساهميين في التأسيس ،، مثل طالب الرفاعي ،، علي الكوراني ،، محمد مهدي آصفي ،، ألخ ،، وقد لعب الصدر دوراً مميزاً في حزب الدعوة كـ (مفكر أسلامي) وضع أفكاره بعدد من المؤلفات التي غالوا بها وعظموها إلى درجة فاقت حتى الأساطير!!،، إلا أن صباح البغدادي ذكر في أحدى مقالاته أن كتابي (فلسفتنا) و(أقتصادنا) هي أفكار منسوخة حرفياً ،، فالأول هو تعاليم وأفكار ومؤلفات العلامة المجتهد تقي الدين النبهاني (مؤسس حزب التحرير) حوّر الصدر فلسفتها المذهبية للتتناسب مع العقيدة التي يتبعها ،، أما كتاب أقتصادنا فهو نسخة من كتاب (الخراج)  للإمام الفقيه القاضي أبي يوسف الأنصاري !!،، بالنسبة لحزب الدعوة فأننا سنبتعد عن الغوص في تفاصيل بعيدة عن موضوعنا مثل الدور التآمري الذي لعبه حزب الدعوة لصالح المعسكر الغربي في محاربة الشيوعية في العراق ،، وأرتباطات إيران بمرجعية محسن الحكيم ودورها في تأسيس حزب الدعوة ،، فقط ما يدخل منها في صلب الموضوع. 


بعد ثلاث سنوات من تأسيس حزب الدعوة ظهرت معالم خلافات داخل التنظيم ،، فأنقسم إلى تيارين ،، الأول يؤمن بضرورة وجود دور قيادي للمرجعية الدينية ،، وهذا رأي رجال الدين ،، أما التيار الأخر يفضل حصر دور المرجعية الدينية بالدعم والمساندة بينما تكون القيادة لغير رجال الدين ،، أدت تلك الخلافات إلى أنسحاب آل الحكيم من التنظيم ،، بعد أن بات التيار الأخر الذي كان يقوده محمد هادي السبتي أكثر قوة ،، وأنضم محمد باقر الصدر إلى موقف آل الحكيم ،، كذلك ألتحق بركبهم مرتضى العسكري (الذي كان يتزعم الحزب في حينها) وترك موقعه بأمر من محسن الحكيم ليتفرغ إلى منصب وكيل المرجعية في بغداد ،، فسلم قيادة الحزب للسبتي ،، وهجر معظم رجال الدين (المقربون من آل الحكيم) تنظيمات حزب الدعوة ،، وأستمرت القطيعة بين حزب الدعوة وأل الحكيم (ومن معهم) أكثر من عقد ،، فانعكس ذلك سلباًعلى الحزب وأفقده وزنه كتنظيم أسلامي ،، لأن المنطقي أن يجد أي تنظيم أسلامي دعم ومساندة من رجال الدين ،، لكن حزب الدعوة أستهدف من قبل مرجعية النجف وأعلن على أعضاءه الحرب!!،، (قضية  محمد باقر الحكيم مع عائلة عبد الصاحب دخيل تعكس الموقف من حزب الدعوة)*،، فوصل الأمر إلى مستوى تحريم الأنتماء للتنظيم ،، كما يوضح ذلك رد محمد باقر الصدر على سؤال موجه من قبل (حسين محمد هادي الصدر) بخصوص الأنتماء لحزب الدعوة **!!،، بالجانب المقابل كان هناك هجوم شنه (محمد هادي السبتي) من خلال النشرات والكتابات التي يصدرها حزب الدعوة على المرجعيات الدينية وآل الحكيم ،، فأثارت تلك الأفكار زوبعة من الأنتقادات زادت من السخط على حزب الدعوة وقادته ،، فبات الحزب مهدداً في الشارع الشيعي ،، خصوصاً أن الانقسامات والخلافات الداخلية أضعفت التنظيم إلى درجة كبيرة ،، فكان لابد من أيجاد السبل التي تعيد له مكانته على الساحة ،، فتوجهت الأنظار نحو محمد باقر الصدر.

لاشك في أن معرفة محمد هادي السبتي الطويلة بالصدر ساهمت بجر رجل الأخير من جديد للتنظيم من خلال تكليفه بكتابة النظام الداخلي للحزب وجعله المشرع للتنظيم ،، ومن هنا ظهرت معالم خلاف بين الصدر والخوئي حول موضوع حزب الدعوة ،، ثم طرح السبتي على الصدر فكرة التصدي للمرجعية الدينية وأن يكون أحد زعاماتها ،، وقد أبدى الصدر أستعداده للتصدي لذلك خصوصاً أن رسالته العلمية (الفتاوي الواضحة) تؤهله لذلك ،، فأعلن عن رغبته بالتصدي للمرجعية من خلال خطابة الموجه لحزب الدعوة:

"أنا معكم ولن أتخلف عنكم لحظة واحدة ،، غير أني رأيت في الوقت الحاضر أن الحركة الأسلامية لاتؤدي دورها المنشود إلا بدعم المرجعية لها ،، كما لاغنى للمرجعية عن الحركة الأسلامية ،، فكل منهما يدعم الأخر ،، وأنا أرى من الأن التصدي للمرجعية هو الوظيفة الشرعية وهو المطلوب ،، والمطلوب منكم دعم هذه الفكرة".

باشر حزب الدعوة بالترويج للصدر والتثقيف لأعلميته وأفضليته بين الموجودين ،، وأشاعوا أنه مؤسس حزب الدعوة وقائده الروحي ،، ومن هنا ظهرت الكذبة الكبرى بأستفراد محمد باقر الصدر بتأسيس حزب الدعوة ،، وكانت لقيادة حزب الدعوة غاية في ربط التنظيم بمحمد باقر الصدر ،، أولا لضرب مرجعية النجف المختلفين معها ،، وثانيا أستغلال شعبية الصدر ليعيد للحزب موقعه بعد أن فقده منذ نشوب الخلاف مع آل الحكيم ،، ومن المؤكد أن أي تقدم سيحرزه الصدر على صعيد المرجعية سينعكس أيجابياً على حزب الدعوة ،، فكلما يكبر محمد باقر الصدر يكبر التنظيم وتتسع قاعدته الشعبية.


من المؤكد أن نوايا محمد باقر الصدر بالتصدي للمرجعية لم يلاقي ترحيباً من قبل الأخرين ،، وهذا ما تعكسه الخلافات التي حدثت بين الصدر والخوئي ،، وقد أشيع أن سبب تلك الخلافات تدخل محمد باقر الصدر بالسياسة وهذا يعارض منهاج الحوزة الدينية ،، فيما رجح البعض أن سبب الخلافات متعلق بعلاقة الصدر المتينة بالخميني الذي كان على خلاف مع مرجعية النجف ،،  لكن أنتقادات محمد باقر الصدر لمرجعية الخوئي ووصفها بانها ليست بالمستوى المطلوب ،، وأنها ضعيفة لاتستطيع حماية رجال الدين ،، تدل على أن الموضوع ليس مجرد خلافات وأنما صراع متعلق بالمرجعية وهذا يفسر تأزم الموقف بين الطرفين الذي أدى إلى أقدام الخوئي على طرد الصدر من الحوزة العلمية !!،، وفي خضم هذه الزوبعة يطل وجه الخميني من نافذة المتصيدين بالماء العكر. 

 لم يكن الخميني مرحباً به في العراق من قبل مرجعية النجف ،، خصوصاً آل الحكيم ،، بسبب خلافات في وجهات النظر ،، وكذلك خلافات في المواقف من الشاه التي تدين له مرجعية النجف بالولاء ،، وقد ذكر الخميني عن ذلك قائلا ،، "لست أدري أي ذنب أرتكبته حتى أبتليت في آخر عمري بالنجف ،، كلما خطوت خطوة واجهت معارضة وكسراً من عدة من مشايخ النجف ،، أننا في النجف مبتلون بأناس يعتقدون أن بريطانيا وأمريكا ملجأ الأسلام وحماه وأنه اذا زالت هاتان القدرتان فالاسلام سيزول" ،، الخلافات مع الخميني وتشنج المواقف لم تنتهي مع انتقال المرجعية من الحكيم إلى الخوئي ،، بل زادت وكبرت وتحولت فيما بعد إلى عداء كبير بين الخميني والخوئي ،، (ما حصل بعد تسلم الخميني السلطة في إيران يوضح الصورة)*** ،، ورغم أن علاقة الخميني تعثرت مع رجال الدين في النجف إلا أن أرتباطه بمحمد باقر الصدر لم يتأثر ،، فقد كان الأخير تابعاً للخميني وأقرب له من ظله ،، حتى أن الصدر وجه تلامذته لحضور دروس الخميني الأصولية والفقهية وذلك دعماً لمرجعيته ،، وإذا ما أردنا تقريب صورة العلاقة بينهما فأن أصلح وصف هو أن الصدر كان مسحوراً بأفكار الخميني إلى درجة جعلته مكبلا بعمامته!!،، وهذا كفيل بعكس خلافات الخميني مع مرجعية الخوئي على الصدر ليدخل طرفاً في الموضوع ،، خصوصاً أن حزب الدعوة له موقف من مرجعية الخوئي ومن قبله مع آل الحكيم ،، فمن المؤكد أن الصدر تأثر به من قبل لقربه من حزب الدعوة ،، يمكن تمثيل الترابط الثلاثي بين الخميني والصدر وحزب الدعوة بمثلث كل نقطة منه عبارة عن طرف ،، فالخميني وحزب الدعوة لهم خلافات مع مرجعية الخوئي ،، وكذلك لهم تأثير كبير على محمد باقر الصدر ،، فهو يرى الخميني كأنه المهدي المنتظر !!،، ويرى في حزب الدعوة شعلة ثورية ستقود الأمة !!،، لكنه لم يرى أن لكل منهما غاية يريدون تحقيقها على حسابه ،، فليس هناك شك أن الخميني ضد فكرة تصدي محمد باقر الصدر للمرجعية لأن هذا الطموح حكراً على الفرس ،، لكن أندفاع الصدر ونواياه ستكون ورقة رابحة يلعبها الخميني لإثارة الفتنة بين الصدر ومرجعية النجف ،، كذلك حزب الدعوة له غاية تطرقنا لها قبل قليل ،، أذن ،، فالصدر مجرد (ثور) سيتناطح بالنيابة عن غيره ،، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ،، ماهو موقف القيادة العراقية من الصراع الدائر؟.  



هناك حادثة مميزة يجب ان نذكرها ،، في العام 1977 حدثت ما تسمى بإنتفاضة صفر ،، كان مهندسها محمد باقر الصدر ،، أعتقل على أثرها ،، لكن صدام حسين (رحمه الله) أطلق سراحه بناء على طلب تقدم به الصدر !!،، لكن الأهم من الطلب المقدم أن القيادة العراقية قرأت تطلعات محمد باقر الصدر نحو المرجعية ،، واعتبرتها خطوة أيجابية لتعريب الحوزة العلمية وتخليصها من النفوذ الفارسي ،، فأظهرت القيادة العراقية تأيدها له من خلال لقاء تم بين صدام حسين (رحمه الله) ومحمد باقر الصدر حضره صباح سلمان السكرتير الصحفي (أختطف وقتل بعد الاحتلال من قبل جيش المهدي بسبب محاولة نشره تفاصيل ذلك اللقاء) ،، ورغم أن الصدر لم يكن على ود مع الحكومة العراقية إلا أن القيادة العراقية غضت النظر وتعاملت معه بمرونة من أجل تعريب الحوزة العلمية والمرجعية النجفية ،، وهذا بحد ذاته نصراً على الفرس ،، لكن سرعان ما تخلى الصدر عن (التقية) التي كان يمارسها مع القيادة العراقية ،، وأنقلب موقفه مع وصول الخميني للسلطة وصار يشعر بالقوة ،، وتنازل عن تأييد القيادة العراقية له ودعمها ليقف بالحوزة العلمية والمرجعية الدينية وينتشلها من يد الفرس ،، وفضل أن يكون عبداً للخميني وأسيراً للطائفية على أن يكون سيداً في النجف!!،، وكذلك فعل حزب الدعوة وألتحق بصفوف الخميني بسبب الخلافات مع مرجعية النجف ،، فأعلن الصدر وحزب الدعوة تأييدهم ومناصرتهم للخميني وثبتوها في النظام الداخلي لحزب الدعوة حسب ما تذكره الفقرة التي تنص على:

"وكما من الله على المسلمين بإقامة الحكم الإلهي المتمثل في إيران الجمهورية الإسلامية بقيادة روح الله الخميني فلذا وجب علينا لزاما دعمه بكل الوسائل المتاحة لقيادة الحزب وتنظيماته ليكون نواة الدولة الإسلامية الحقيقية لتحرير البلاد الإسلامية من السيطرة الاستعمارية الكافرة وضمها إلى الدولة الإسلامية الكبرى إيران"!!.




لعب محمد باقر الصدر دوراً إعلامياً في الترويج للخميني وثورته ،، فقال قوله الشهير ،،"ذوبوا في الأمام الخميني كما ذاب هو بالأسلام"!!،، ودعا إلى طاعته والألتفاف حول قيادته معتبره ولي أمر المسلمين!!،، وهذا توجيه صريح على أتباع الخميني ومبايعته كقائد ،، وتحريض ضد القيادة العراقية ومرجعية الخوئي في النجف ،، والسؤال الذي يطرح نفسه ،، لو أن أحد ما في إيران روج للقيادة العراقية كما فعل الصدر ماهو مصيره؟!،، من المؤكد الأعدام بعد التعذيب الطويل ،، لكن في العراق لم يتخذوا أي أجراء ضد الصدر رغم أنه أصبح تحت طائلة الخيانة العظمى!!،، على أية حال ،، كذلك وجه الصدر أتباعه للخروج في مظاهرات مؤيدة للثورة الأسلامية في إيران ،، فخرج المؤيدون بحماسة منقطعة النظير يحملون لافتات خطت عليها شعارات التمجيد بالثورة وقائدها ،، وصور الخميني والصدر تتقدم المظاهرة ،، بالمقابل ،، عندما ثار عرب إيران في الأحواز العربية على أستهداف الخميني لهم ،، وجه الصدر رسالة يخاطب فيها عرب أيران ويطلب منهم نبذ الفكر القومي!!،، معتبراً أن الدافع القومي هو سبب عصيانهم للخميني ،، ولم يهتم للجرائم التي ارتكبت بحقهم ،، وهذا يدل على عمق ترسيخ الشعوبية في فكر الصدر ،، فهو يطالب العرب بنبذ قوميتهم وهو يتمسك بالمذهبية ،، وهو لم يتجرأ يوماً بمطالبة الفرس بنبذ قوميتهم وفصلها عن قيادة المرجعية !!.



من الجدير بالذكر أن أولاد محسن الحكيم (عدو الخميني القديم) أصبحوا من اللاهثين خلف الخميني (لأسباب بعيدة عن موضوعنا) ،، لكنهم لعبوا دوراً مميزاً في الحرب التي شنها الخميني ضد مرجعية النجف ***،، وما يجدر الأشاره له ،، أن دافع الخميني في شن الحرب ضد مرجعية الخوئي لم يعد دافع شخصي (وإن كان موجوداً) ،، لكن الموضوع تعدى مسألة الثأر الشخصي ليصل إلى أستهداف المرجعية النجفية ذاتها ،، لأن الخميني المؤمن بولاية الفقيه كرس جهده لتطبيقها في إيران ومن ثم تصديرها للعراق ولبنان ودول الخليج ،، وكان يطمح أن يكون المرجع العام والوحيد للشيعة في العالم وصاحب القول والفصل ،، ولايجب أن تكون هناك مرجعية أخرى أعلى من مرجعيته أو مستقلة عنها لا في النجف ولا في أي مكان أخر ،، واذا كان ولابد أن تكون هناك مرجعية في مكان أخر فيجب أن تكون ضعيفة وتابعة لولاية الفقيه في إيران ،، على شرط أن يكون جميع المراجع من (الفرس) ،، ورغم أن الخوئي فارسي الأصل من أذربيجان إلا أنه لايؤمن بولاية الفقية ولايتبع الخميني ،، ولهذا السبب بدأ الطعن في مرجعيته لغرض أضعافها والتأثير على مقلديه ،، ليتجهوا بأنظارهم نحو الخميني بعد أن تغلب على أمرهم الشكوك تجاه الخوئي ،، خصوصاً أن الخميني عمل على أفراغ الساحة من رجال الدين الذين يخشى ثقلهم وأجهز على عدد كبير منهم وخاصة رجال الدين العرب ،، لكن بقي على الساحة النجفية شخص واحد لابد أن يشعر الخميني بخطره وهو محمد باقر الصدر.

أن وجهة نظر الخميني (مثل غيره من الفرس) في مسألة تصدي رجل الدين من أصول عربية للمرجعية خط أحمر لا يمكن تجاوزه ،، حتى وأن كان رجل الدين يعبد الخميني وليس يتبعه فقط!!،، وهذا أحد أهم الأسباب التي أسقطت ورقة محمد باقر الصدر من حسابات الخميني ،، وأذا ما أخذنا بنظر الأعتبار الأرضية التي يحتلها الصدر في النجف مع المؤهلات العلمية التي يمتلكها فأن ذلك بكل تأكيد كفيل بترشيحة للمرجعية بعد وفاة الخوئي دون منافس ،، وهذا ما يرفضه الخميني لأنه يسعى إلى تهميش مرجعية النجف وجعلها تابعة لولاية الفقيه حتى يكون زمام شيعة العراق بيده ،، وقد يهدم أستفراد الصدر بالمرجعية كل ما ينوي الخميني بناءه ،، على أقل تقدير تعريب الحوزة العلمية بالنجف وتوريث المرجعية لرجال دين عرب!!،، هذا بالإضافة إلى أن الصدر قد يكون في المستقبل منافساً قوياً للخميني أذا ما خرج من طاعة الأخير!!،، أذن فقد بات وجود الصدر غير ضروري!!.



بدأ الصدر يجهز نفسه للقيام بثورة أسلامية في العراق على غرار الثورة التي حدثت في إيران ،، فبعث أحد أتباعه وهو محمود الهاشمي ،، ليكون وكيلا له في إيران وحلقة وصل بينه وبين الخميني لتنسيق الجهود !!،، وما أن وصل الهاشمي إلى إيران حتى بثت وسائل الإعلام الإيرانية ومنها أذاعة طهران العربية رسالة موجهة من الخميني إلى الصدر جاء فيها:

"سماحة حجة الإسلام والمسلمين الحاج السيد محمد باقر الصدر دامت بركاته ،، علمنا أن سماحتكم تعتزمون مغادرة العراق بسبب بعض الحوادث، إنّني لا أرى من الصالح مغادرتكم مدينة النجف الأشرف مركز العلوم الإسلامية وإنّني قلق من هذا الأمر، آمل إن شاء الله إزالة قلق سماحتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"!!.

هذه الرسالة فيها أمرين ،، الأول ،، أن الخميني خاطب محمد باقر الصدر بـ (حجة الاسلام والمسلمين) ،، مع العلم أن للصدر اتباع ومقلدين ورسالة علمية ،، لكن كما يبدو أن الخميني غير معترف بذلك أو لايريد أن يعترف بها ،، كما أن أرسال محمود الهاشمي وكيلا عن الصدر في إيران أزعج الخميني ،، فالمراجع وحدهم من يجعلون لهم وكلاء !!،، ومن المفروض أن يستغل الخميني هذه الفرصة لتثبيت مرجعية محمد باقر الصدر (لو كان يرغب بذلك) ليضرب بها مرجعية الخوئي ،، (كما فعل من قبل شاه إيران مع محسن الحكيم) ****،، لكن الخميني أنتبه إلى أن تقويض مرجعية الخوئي ستؤدي إلى أتساع قاعدة أتباع الصدر لأنهم بدلا من توجيه أنظارهم إلى إيران سيتوجهون نحو البديل القريب محمد باقر الصدر ،، وهذا ما جعل الخميني يسارع في حفر قبر الصدر بكلتا يديه ،، فبث رسالته أذاعياً ليكشف العلاقة التي تربطه بالصدر ويضعه في موقف محرج أمام القيادة العراقية ،، أما الأمر الثاني ،، ماحملته الرسالة كان موجها للقيادة العراقية ليلفت أنتباههم إلى أن الصدر على وشك المغادرة ،، وهذا يعني مشروع تشيكل معارضة أسلامية موالية لإيران خارج العراق!!،، مع العلم أن اي نية للصدر بمغادرة العراق لم تكن موجودة ،، وقد تفاجأ الصدر بهذا الخبر وحاول كشف ملابساته لكنه فشل لانه لايقرأ مابين السطور.



كان الخميني يأمل أن تقوم السلطات العراقية بإعتقال الصدر ،، وتقديمه للمحكمة بتهمة التخابر مع دولة أجنبية ،، لأن الخميني سيضرب عصفورين في حجر واحد ،، التخلص من الصدر وازاحته من الطريق ،، كذلك يستغل الحدث لأثارة الشارع الشيعي ضد الحكومة العراقية ،، لكن القيادة العراقية كانت أكثر روية ولم تقدم على اعتقاله ،، لكن هذا التروي زاد من أندفاع الصدر ضد الدولة ،، فأصدر فتواه في تكفير حزب البعث العراقي فكراً وأشخاص ،، حيث قال ،،"لو كان أصبعي بعثياً لقطعته"!!،، ويجدر الأشارة أن الفتوى لم تشمل حزب البعث في سورية رغم انه يحمل نفس المبادئ والأهداف والشعارات ،، وكما يبدو أن علاقة الخميني بالنظام الحاكم في سورية شفع للبعث السوري واستثناه من التكفير !!،، ومن هنا يتضح أن الصدر كان يخدم المشروع الإيراني ،، وأستمر يعد العدة للقيام بثورة أسلامية كما حدث في إيران ،، وبدأ يتردد عليه مجموعات من أتباعه وتحدث اجتماعات علنية وكأنه يتحدى الدولة ،، وهذا يعكس حجم استهانة الصدر بالحكومة بسبب سياسة التهاون والروية التي اتبعتها القيادة العراقية معه ،، وأنا أتوجه بسؤال ،، في أي دولة في العالم لايتم محاسبة شخص يحرض على التمرد الشعبي ؟!،، هل يحدث هذا في الدول الأوربية؟!،، ومع هذا لم تقدم السلطة على اعتقال الصدر ،، بل فرضت عليه الاقامة الجبرية وبدأت ترسل له الشخصيات والوفود وتقدم العروض والأغراءات مقابل ان يترك الخميني ولا ينجرف خلفة ويقع في بئر الخيانة ،، وعرضوا عليه استلام الحوزة العلمية مقابل دعم لامحدود من الدولة ،، وقالوا له بالنص أننا أقرب لك من الخميني وأنت اقرب لنا منه فالنتعاون من أجل العراق ،، وأستمر الحال لمدة تسعة أشهر متواصلة ،، لكن كل الجهود والحلول ومحاولات ثنيه لم تنفع ،، فقد أصر على أن يبقى عبداً حقيراً ذليلاً خائناً خانعاً للخميني ،، ويسعى لتسليم العراق إلى إيران ،، (هذه التفاصيل مذكورة في كتاب ،، الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار لمحمد رضا النعماني – يمكن الأطلاع عليها).

بعد هذه المحاولات التي لم تنفع نفذ صبر الدولة وأصدرت أمراً بأعتقال الصدر وأحالته للمحكمة التي كان يرأسها القاضي علي السيد هادي السيد وتوت ،، وحكم عليه بالإعدام حسب قانون العقوبات ذي رقم 111 لسنة 1961،، ونفذ الحكم به وسلم جثمانه لأبن عمه محمد محمد صادق الصدر بعد أن رفض أبن أخيه حسين الصدر أستلام الجثة.



بدأ المتصيدون بالماء العكر يستغلون الحدث لصالحهم ،، فأرسل الخميني رسالة يحرض فيها على أخذ الثأر من الحكومة العراقية ،، موجهاً كلامه إلى موظفي الدولة والجيش وقوى الامن الداخلي ،، والجدير بالأهتمام أن بعد تنفيذ حكم الأعدام بالصدر بدأ الترويج له أكثر من قبل ،، وصنعوا منه شخصية فريدة من نوعها ،، وشبهوه بالحسين (ع) ،، بالايمان والتقوى ،، وكيف أنه خضع لحصار ،، وقطع عنه الماء وعطش كالحسين (ع)،، حتى خطبة زينب أخت الحسين (ع) في الشام ،، نسبوا لشقيقة الصدر (أمنة الصدر) واحدة مماثلة ،، أراد المغرضون تشبيه حالة الصدر بحالة الحسين لاثارة المشاعر المذهبية لدى الشيعة المبنية على ظلم الحسين (ع) ،، وهي محاولة خبيثة للتلاعب بعواطف البسطاء الذين يصدقون كل ما يقال لهم ،، بينما لايذكر اليوم احد في ايران الصدر رغم الخدمات التي قدمها لهم ،، فيذكر شخص كان مقيم في ايران ،، "لاتوجد لمحمد باقر الصدر في إيران سوى صورة واحدة في سوق بيع الخضار مرسومة على جدار وسخ ،، عادة ما تربط الحمير عند هذه الصورة"!!،، كما أن هناك مفارقة يجب ذكرها ،، ترك محمد باقر الصدر ولداً يدعى جعفر ،، تكفله أبن عم والده محمد محمد صادق الصدر ،، أكمل دراسة القانون في جامعة بغداد ،، ثم ارسلة عمه إلى إيران ليفتح مكتب خاص بمرجعية الصدر ،، وبما إيران ضد مرجعية محمد محمد صادق الصدر فقد تم أغلاق المكتب بعد ثمان أيام وأعتقل جعفر (نجل محمد باقر الصدر) وأودع السجن بتهمة التجسس لصالح المخابرات العراقية!!.


رأي شخصي ،، من المؤكد أن محمد باقر الصدر أنخدع (كغيره) بسراب الموالين ،، الذين قالوا له تقدم ونحن من وراءك نذود عنك ونحميك ،، فتخلى عن عقله وصدق الشعارات وهو يظن أن الحكومة العراقية تخشاه وتحسب حساب من يقفون خلفه !!،، وأغلب الظن أن الخميني صدق أن اعدام الصدر سيحرك الشارع (الموالي) وتحدث ثورة عارمة تطيح بالنظام ولهذا أجتهد  بالتحريض بعد أعدام الصدر لكن دون جدوى!!،، أنه أمر مضحك ،، فكما يبدو أن الصدر وسيده الخميني لم يستلهما العبر من المؤامرة التي حيكت ضد الحسين (ع) في كربلاء ،، ولا بقضية الأنقلاب على الحسن (ع) ،، بالأمس خرج أهل الكوفة لمقاتلة الحسين (ع) ولم يظهر منهم من يذود عنه وعن نساءه وعياله ،، فهل يظن الصدر أن أحداً ما سيخرج خلفه وهو لايستحق أن يكون حشرة تقف على نعل الحسين (ع) ،، في النهاية نفذ به الحكم وعجل الله بروحه إلى جهنم وبئس المصير ،، وهذه عاقبة كل مجرم ،، وأختتم بقول الله تعالى وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) النحل.

هوامش
* عبد الصاحب دخيل عضو قيادي في حزب الدعوة أعتقل ونفذ به حكم الأعدام عام 1974 ،، كان مديناً بمبلغ من المال لآل الحكيم لم يسدده ،، فتقدم محمد باقر الحكيم بدعوى قضائية ضد عائلة عبد الصاحب دخيل للحجز على دار سكنهم ،، فتدخل البعض لثني الحكيم عن موقفه لكنه أصر على أستحصال المبلغ ،، فسدده عنهم تاجر من دولة خليجية.

** توجه حسين محمد هادي الصدر بسؤال إلى محمد باقر الصدر ،، "ما هو رأي سماحتكم في موقف الحوزة العلمية تجاه الأحزاب السياسية الدينية كحزب الدعوة وغيره فهل يجوز الانتماء إليها أو لا أفتونا مأجورين؟" ،، وجاء رد الصدر عن السؤال ،، "لا يجوز ذلك لأننا لا نسمح بشيء من هذا القبيل وقد ذكرنا رأينا هذا مراراً إذ أوضحنا أن طالب العلم الديني وظيفته أن يعظ ويرشد ويعلم الأحكام الشرعية بالطريقة الواضحة المألوفة بين العلماء ومن الله نستمد الاعتصام وهو ولي التوفيق ،، محمد باقر الصدر 1974".

*** أعلن الخميني الحرب على الخوئي بعد سقوط الشاه وأستيلاءه على السلطة ،، فشُنت حملة تنكيل استهدفت مرجعية الخوئي وشخصه روجت لها القنوات الإيرانية والجهات التي لفها الخميني بعمامته مثل حزب الدعوة ،، وقد قامت اللجان الثورية بحرق مكتب مرجعية النجف في قم بأوامر من الخميني ومتابعة مقلدي الخوئي والتشديد عليهم ،، فترك إيران عدد كبير منهم ليأمنوا على حياتهم.

**** بسبب التوترات والخلافات القائمة بين الشاه ورجال الدين في إيران ،، عمل الشاه على توسيع قاعدة المرجعية في النجف على حساب تحديدها في قم ،، فبعث رسالة تعزية خصها لمحسن الحكيم (دون غيره) بوفاة آية الله العظمى حسين البروجردي ،، الغاية منها توجيه أنظار شيعة إيران نحو مرجعية محسن الحكيم في النجف.


المصادر

(1) مقالة - غوغائية زمرة حزب الدعوة (الإسلامية) وأكذوبة المؤسس المرجع الشيعي الراحل محمد باقر الصدر – صباح البغدادي

(2) الامام محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق – صلاح الخرسان

(3)أعترافات عباس الخوئي (تسجيل فيديو).

(4) الإمام في كلام الإمام – غلام علي رجائي.

(5) مذكرات طالب الرفاعي.

(6) السيد عبد الكريم قاسم قدس والزعيم محسن الحكيم – محمد باقر الحسيني – الحوار المتمدن – العدد 1898 - 2007

(7) حياتي - مذكرات هاشمي رفسنجاني.

(8) الثورة البائسة – موسى الموسوي

(9) الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار – محمد رضا النعماني

(10) مذكراتي – الشيخ محمد سمامي

(11) رسالة الخميني إلى الصدر

(12) حزب الدعوة الإسلامية / حقائق ووثائق فصول من تجربة الحركة الإسلامية في العراق خلال 40 عاماً - صلاح الخرسان

(13) أنبياء وأصنام - عادل رؤوف

 


بلال الهاشمي
باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي
bilalalhashmi.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق