الأربعاء، 5 يونيو 2013

استغلال احتجاجات "تقسيم"


الأربعاء، 5 يونيو، 2013

استغلال احتجاجات "تقسيم"

آيلين كوجامان
لم تشهد المدن الرئيسة في تركيا أي انتفاضات كبرى منذ السبعينات من القرن الماضي. وكانت تركيا قد عانت ويلات الإرهاب على مدى 30 عاما، وكان الإرهاب يعيش معنا جنبا إلى جنب، وكنا نرى بأم أعيننا التفجيرات الانتحارية ونسف المصارف وتفجيرات الأتوبيسات هنا في إسطنبول؛ تلك المدينة الجميلة التي عشنا ودرسنا وعملنا وتجولنا بها. ومع ذلك، لم أر في حياتي ثورة من الشعب التركي.


وقد بدأت المشكلة الحالية نتيجة احتجاج سلمي ضد اقتلاع الأشجار. دعونا نتفق على أن حب الأشجار والطبيعة شيء جيد، وأن الاحتجاجات شيء مقبول وضروري للتعبير عن الأفكار والحديث بحرية، وشيء يصب بالطبع في مصلحة الديمقراطية، وأن الاحتجاجات تؤدي إلى حل الكثير من المشكلات في البلدان الديمقراطية، وهذا هو ما يحدث في تركيا؛ تلك الدولة المسلمة التي يتحدث فيها الناس بمنتهى الحرية.
إن ما حدث في ميدان «تقسيم» يعد بمثابة غطاء لمثل هذه الجماعات، حيث بدأت تلك الأحداث بشكل غريب للغاية، وما إن اندلعت الاحتجاجات السلمية، حتى بدأت هذه الجماعات تبعث برسائل مهينة لمؤيدي الحكومة، وكان الجميع مهيئا ومحرضا على «العنف»، وبدا أن هناك حسابات من الواضح أنها لن تدع الاحتجاجات تمر بسلام.
وكان المحتجون الأصليون سلميين ويعترضون بشكل ديمقراطي، ولكن تلك الجماعات نجحت في تحويل الاحتجاجات إلى مظاهر للعنف، ولم يعد هناك حديث عن اقتلاع الأشجار وعن الحدائق، وبدلا من ذلك بدأنا نرى الكثير من اللافتات التي تمثل المنظمات الشيوعية، وجاء رد فعل الأحزاب السياسية غريبا، ويكفي أن نعرف أن حزب «الشعب الجمهوري»، وهو الحزب المعارض الرئيس الذي وقع على مشروع إزالة الحديقة، قد شارك في الاحتجاجات! وقال حزب «الحركة القومية»: «نحن نعارض هذا العمل».
وبدأت تقارير خاطئة تنتشر بسرعة على موقع «تويتر»، وانتشرت صورة لأميركي أصيب في يخت بولاية فلوريدا الأميركية على أنه «شاب قتل على يد الشرطة» التركية، كما انتشرت صورة ادعي أنها «على جسر البسفور»، في حين أنها جاءت في الأساس من ماراثون أوراسيا عام 2012.
ونشرت صور للشرطة السلوفينية على أنها صور للشرطة التركية وهي تقمع المتظاهرين، كما كانت أول صورة لاندلاع الاحتجاجات هي صورة التقطت في ميدان التحرير المصري!
وجرى إعداد كرات مملوءة بالمسامير وتحطيم حجارة الرصيف قبل اندلاع المظاهرات، وهو ما يعني أن من قاموا بذلك يسعون للقتل والتدمير. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من المنطقي أن يقوم الأشخاص الذين يسعون لحماية الأشجار بإعداد أسلحة بهدف القتل والتدمير؟ بالطبع، لا، وبالطبع لم يكن من قاموا بذلك متظاهرين سلميين، والأمر نفسه ينطبق على من قاموا بقذف الشرطة بالحجارة وهي تنسحب من ميدان تقسيم ومن قاموا بتحطيم سيارات الشرطة. وعندما وصل الكثير من الفنانين إلى الميدان للمشاركة في الاحتجاجات عادوا على الفور وحذروا من عدم خدمة أهداف أولئك الذين يسعون للتحريض عبر صفحاتهم على موقع «تويتر»، وبالفعل تفهم الكثير من المتظاهرين ذلك وعادوا إلى منازلهم، أما من بقي الآن في الميدان فهم المحرضون.
لم يقتل أي شخص في تلك الاحتجاجات ولم يجر استخدام الدبابات، ولكن الشيء الحقيقي هو أنه قد جرى استخدام غاز الفلفل، وبالطبع ما كان ينبغي أن يستخدم بهذه الكمية، وهو ما صرحت به الحكومة نفسها عقب الاحتجاجات مباشرة. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الخطأ الوحيد، حيث جرى الإعلان بعد أيام قليلة من الاحتجاجات أنه لم تقطع أي أشجار وأنها نقلت وزرعت في مكان آخر في إسطنبول، وأن المشروع الجديد يتضمن إنشاء حديقة، وأن الحكومة قامت حتى الآن بتشجير 900000 هكتار، ولذا كان يتعين على الحكومة الإعلان عن ذلك من البداية.
من السذاجة أن تصف ما يحدث الآن بأنه «ربيع تركي»، لأن تركيا ليست مصر في عهد مبارك أو سوريا تحت قيادة الأسد، ويكفي أن نعرف أن أكثر من 20 حزبا قد شاركوا في الانتخابات في تركيا، وأن 22 حزبا سيشاركون في انتخابات عام 2014. بما في ذلك أحزاب شيوعية وماوية وكردية ويسارية ويمينية، وأحزاب تمثل جميع التوجهات، وعلى الشعب أن يختار أيا من هذه الأحزاب لتمثله في الحكومة، وتكون هناك انتخابات كل أربع سنوات يمكننا من خلالها الإبقاء على رئيس الحكومة أو انتخاب آخر. وعلى عكس ما يحدث في بلدان الربيع العربي، لا يتنحى الزعيم التركي بسبب الحجارة وقذفها، وإنما ما يحدد بقاءه أو رحيله هو الانتخابات. في تركيا، يمكن لأحزاب المعارضة أن ترفع أصواتها وتحتج بقوة، كما يمكنها توجيه انتقادات للحكومة بكل حرية. ونظرا لوجود ديمقراطية في تركيا، يأتي الحكام ويرحلون بصناديق الاقتراع، ولذا يتعين على الصحف الأجنبية أن تضع ذلك في الاعتبار وتركز على الخطر الحقيقي.

هذه الاستفزازات والتوترات لا يمكن حلها إلا بالحب. أتمنى أن تكون هناك مساحة أكبر للحب في قلوب مسؤولي الحكومة والشرطة والشعب في تركيا، ويتعين عليهم أن يؤثروا الحوار والتفاهم على الغضب. في الحقيقة، كاد الحب يختفي من العالم، وتركيا بالطبع جزء من هذا العالم، ويجب أن نعرف أن الذين يعتمدون على الحقد قد أخطأوا وفشلوا في رؤية الخطر الحقيقي، وهم بذلك يدعمون الكراهية، وهذا عار عليهم.

ملاحظة:
نشر المقال هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق