الثلاثاء، 6 مارس 2012


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اذا تكلم عزة ابراهيم فانصتوا 2
لا يغرنك ارتقاء السهل إذا كان المنحدر وعراً
مثل
شبكة البصرة

صلاح المختار


 
            
        
الصلة الستراتيجية
لماذا اختار الرفيق المناضل عزة ابراهيم الجنوب بالذات لاعلان حصول تغيير ستراتيجي اقليمي وعالمي؟ هذا سؤال مهم لابد من الاجابة عليه كي تتوضح صورة الصراع في مرحلته الجديدة المختلفة عن سابقتها، بمهامها ومستلزماتها وتعقيداتها.
سببان رئيسان لاختيار الجنوب لاعلان التحول الستراتيجي الكبير في العراق، وطبعا في المنطقة، السبب الاول، هو ان ابناء الجنوب لعبوا ويلعبون دورا اساسيا في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، فعقد اللقاء في الجنوب وبحضور قادة فصائل اساسية في المقاومة المسلحة وكوادر البعث رسالة تأكيد على ان ابناء الجنوب هم عراقيون خلص واصلاء وولائهم للعراق وليس لغيره واكبر تعبير عنه هو دورهم الرئيس والفاعل في عملية تحرير العراق.
ونكرر، ونؤكدالتأكيد بلا ملل، بانه من مفاخر البعث وانجازاته الكبرى، انه في العام التاسع للغزو وبعد كل عمليات الاجتثاث والتصفيات الجسدية التي شملت اكثر من 150 الف شهيد بعثي ورغم كل الفتن الطائفية الدموية، مازال البعث في العراق يضم كل مكونات القطر السكانية، خصوصا الشيعة والسنة على اساس ثابت لا يتزحزح وهو المواطنة المتساوية لكل العراقيين، وهذه الميزة كانت احد اهم اسباب محافظة العراق على وحدته الوطنية بعد الغزو رغم كل انواع التأمر الشرس عليها، وبفضل هذه الميزة، واضافة لفضل ممارسته للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، زادت شعبية البعث وتوسع انتشاره جماهيريا. اما السبب الثاني فهو عامل ستراتيجي خطير وهو ان المعركة الرئيسة لتحرير العراق قد انتقلت من طرد جيوش الاحتلال الامريكي الى طرد جيوش الاحتلال الايراني للعراق، بعد ان سحبت امريكا اكثر قواتها وابعدت ما تبقى منها عن خطوط التماس المباشرة وتركت ايران تقاتل المقاومة والشعب العراقي بكافة الطرق والوسائل، بالاصالة عن نفسها ونيابة عن امريكا في اطار توافق ستراتيجي قوي وفعال مازال مستمرا حتى هذه اللحظة، يقوم على مفهوم ايراني هو (زواج المتعة) والذي وجدت فيه امريكا، خصوصا أثناء ادارة بيل كلنتون، خير مخرج ستراتيجي لازمة تخبطها امام كيفية النجاح في غزو العراق والانطلاق منه وبقوته وامكاناته المضافة للقوة الامريكية لغزو باقي الاقطار العربية واعادة رسم حدوددها.
وعلى هذه النقطة يجب التركيز لتجنب الفهم التبسيطي لعلمية مركبة ومعقدة وهي عملية الانسحاب الامريكي والبقاء الامريكي بنفس الوقت، فالانسحاب الامريكي من المدن اولا، ثم سحب اغلب القوات الامريكية الرسمية من العراق في نهاية العام الماضي واعادة نشرها في قواعدها المندسة في خواصر العراق (الكويت وتركيا بشكل خاص) والاحتفاظ بقوات النخبة في العراق لتكون قوة الردع عند اختلال موازين القوى، بالاضافة للاستعاضة عمن انسحب من القوات الامريكية الرسمية بقوات الشركات الخاصة وعددها ضخم جدا، من جهة، والدخول المكشوف ثانيا لعشرات الالاف من العسكريين الايرانيين واحتلالهم للكثير من مدن العراق عسكريا واستخباريا وتعزيز ما تم احتلاله من قبل ايران منذ بدء الاحتلال من جهة ثانية، كل ذلك جعل الانسحاب الامريكي عملية مركبة ومعقدة تمت بموجبها عملية تسليم امريكا العراق المحتل لايران رسميا وفعليا مقابل مكاسب امريكية، فاحدث ذلك تحولا رئيسا في طبيعة الصراع في العراق والمنطقة، واصبحت ايران وفقا له هي المحتل رقم واحد تسندها امريكا مباشرة، بعدان كانت امريكا هي المحتل رقم واحد تسندها ايران. ان تسليم السلطة في العراق من قبل امريكا الى ايران، وقبلها مساعدة الحكومة التابعة لايران على تأسيس قوات مسلحة ذات طبيعة طائفية فاشية، يؤكد بحسم واضح ان تعاون امريكا مع ايران يتم وفقا لنظرة ستراتيجية وليس نتيجة موقف طارئ او تكتيكي. وهذا هو بالضبط ما نبه اليه الرفيق عزة ابراهيم في خطابة بدقة وتفصيل كاملين، وهو خصوصا ما يجب الانتباه اليه من قبل الوطنيين العرب تجنبا للوقوع في فخ سوء الفهم لما يجري وتبنيهم موقفا يقوم على نظرة مبسطة للامور.
يقول الرفيق عزة ابراهيم حول هذا الامر ما يلي وهو يخاطب الرئيس الامريكي اوباما : (أيها الرئيس الم تعلم أنكم قد سلمتم العراق برمته الى عصابات طائفية تذبح العراقيين على الهوية ووفرتم لهم كل الدعم والمساندة طيلة وجودكم العسكري في العراق؟). ويقول ايضا في فقرة اخرى : (وليعلم شعب العراق العظيم وطلائعه الثورية المجاهدة المقاومة الرافضة للاحتلال أن الإمبريالية الأمريكية لم توكل أحداً لتنفيذ مشروعها يوم انسحابها هذا، وإنما هي سلمت العراق كله لإيران وعملائها مع ضمانات من ايران لتنفيذ بعض المصالح الأمريكية غير المشروعة في العراق والأمة وفي المنطقة).
وعند توضيح ما هي الضمانات التي قدمتها ايران لامريكا مقابل تسليم العراق لها يقول الرفيق عزة ابراهيم : (واهم هذه الأهداف التي تعهدت ايران بتنفيذها هي أولاً الاستمرار بتفكيك العراق وتدمير وحدته الوطنية والاجتماعية وتجزئته وإلغاء دوره الى زمن بعيد جداً، حتى تستطيع الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الصهيونية من تحقيق الأهداف الأخرى في العراق والأمة والمنطقة، ومن اهم تلك الأهداف هو إبقاء أساس للتواجد العسكري في العراق الى أمد بعيد وتحت صيغ شتى، والهدف الأخر هو الجانب الاقتصادي وعلى راسه النفط، والهدف الأخر لكي تأخذ إسرائيل  اللقيطة كل حريتها وراحتها في تحقيق أهدافها لإقامة دولتها الكبرى من النيل الى الفرات.).
ويقول الرفيق عزة ابراهيم ملقيا المزيد من الاضواء على أبعاد زواج المتعة هذا الذي كانت نتيجته الطبيعية صفقة تسليم امريكا العراق لايران (إما الثمن الذي أعُطي لإيران هو الحاق العراق بها أرضاً وسماء وشعباً، هذا هو الحال اليوم في العراق تهيمن عليه فعلياً ايران وبدعم من أمريكا وتقود فيه مشروع التفريس من اقصى جنوبه الى اقصى شماله، وبيدها كل القوى الرسمية الفاعلة ما يسمى بالجيش والشرطة والأمن والاستخبارات والمفاصل الأساسية في السلطة المدنية).
اذن بانتقال الاحتلال الرئيس من امريكا الى ايران تغيرت معادلة الصراع في العراق وحوله واصبح الصراع مع ايران هو الصراع التحرري الاول في العراق نظرا لابتعاد الجيش الامريكي عن ساحات المواجهة وجعل ايران تتولى، بالاصالة عن نفسها ونيابة عن امريكا، مواجهة المقاومة العراقية وقمع الشعب العراقي وقواه الوطنية والعمل الجاد على مواصلة تفتيت العراق طائفيا، ومن ثم فان النصر على الغزو الايراني هو الضمانة الاساسية لاكمال طرد امريكا من العراق وتحريره بصورة تامة.
لنتذكر دائما الحقيقة التي تجري عملية منظمة لاخفاءها رغم خطورتها وهي ان ايران وليس امريكا واسرائيل هي من نجح في اشعال الفتن الطائفية في العراق، ففي فترة ما قبل خميني لم يكن هناك من يستطيع التمييز بين المواطنين العرب على اساس طائفي وكانت المواطنة المصرية والعراقية وغيرهما هي اساس التعامل مع الافراد وليس دينهم او طائفتهم اما بعد خميني فان التمييز يتم الان على اساس ديني وطائفي مدمران، وذلك انجاز ستراتيجي ليس لايران فقط بل لاسرائيل وامريكا ايضا اللتان فشلتا في اشعال الفتن الطائفية رغم عمل جاد وطويل لهما، وهذه الحقيقة هي العماد الرئيس لزواج المتعة الامريكي - الايراني المباشر والصريح والمستمر منذ عام 1979.

نتائج التحول
هنا يجب التوقف لتحديد الابعاد الرئيسة لهذا التحول الستراتيجي الخطير، فالمقاومة المسلحة بالاصل والتكوين انطلقت لمقاتلة الاحتلال الامريكي وداعميه داخل العراق لان الاحتلال، اي احتلال وبواسطة اي طرف يحصل مهما كان دينه وقوميته وهويته، يجب ان يقاتل حتى يطرد ويتحرر القطر، والان اوجد الانسحاب الامريكي، بالصيغة التي حددناها بدقة، حالة جديدة كليا اصبحت فيها المهمة الاساسية هي مقاتلة ايران داخل العراق وتصفية وجودها فيه جنبا الى جنب مع مواصلة الطرق العسكري على راس القوات الامريكية الرسمية وغير الرسمية ومخابراتها ومنظماتها في العراق.
وبما التوسع الايراني في العراق هو جزء من ستراتيجية قومية فارسية سمتها الامبريالية واضحة المعالم والاهداف، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فان مواجهة ايران بموقف مشترك لكافة القوى الوطنية والقومية العربية زادت ضرورته وانتقل من واجب قومي فقط، كما كان، الى ضرورة ستراتيجية رئيسة ايضا. فكما ان حماية الهوية العربية للعراق وتحريره من الغزو الايراني المدعوم امريكيا واجب وطني وقومي فان التصفية النهائية الجذرية والحاسمة الان للوجود الايراني بكافة اشكاله ومظاهره وادواته في كافة اقطار الوطن العربي وبلا اي استثناء هو واجب قومي وضرورة ستراتيجية عظمى ايضا يشكل عدم الالتزام بهما خيانة عظمى لا تختلف جوهريا عن خيانة السادات، الذي ما اعتبرناه خائنا الا لانه اعترف باسرائيل وطبع معها وتجاهل خطرها المميت.
وهنا يجب ان نؤكد للجميع وبلا اي غموض بان اي نفوذ ايراني واي صلة تبعية او صلة تعاون ستراتيجي مع ايران هو حالة تدخل في اطار دعم مباشر لاستعمار ايراني للوطن العربي وتوسع امبريالي لاتختلف عن الاستعمار الغربي او الصهيوني الا في جانب واحد خطير وهو ان الاستعمار الايراني يتبرقع باسلامنا وقضايانا ويتمترس وراء غلاف طائفي فيضعف ذلك حصانة البعض تجاهه بينما يخترق حصانة البعض الاخر الوطنية والقومية حتى العظم، خصوصا اولئك المرضى بفوبيا معاداة القومية العربية، كما في حالة منظمات أسلاموية ظلامية، فهو بهذا المعنى والواقع توسع من داخلنا وبادوات عربية يتراوح حالها بين العمالة لايران والارتزاق منها، الامر الذي يجعل الاستعمار الايراني، في هذه المرحلة بالذات وكما نراه في الواقع العربي العام، اشد عدوى وخطرا من الاستعمارين الغربي والصهيوني لاننا نعرف كلنا انهما عدوان ولا سبيل للخطأ في تحديد طبيعتهما وخطرهما فتبقى حصانتنا تجاههما قوية وتكشف كل عملية خداع يقومان بها للادعاء بالصداقة مع العرب، بينما ايران تتسلل الينا تحت غطاء الاسلام والاخوة الاسلامية او تحت غطاء الطائفة، فتجد بعض من يقع في فخها المحكم وهو يعتقد ان الامر طبيعي.
واذا اراد مرتزق او عميل ايراني الاعتراض على تحديد هذه الطبيعة لايران فنقول له اخرس واستمر في خرسك فلقد صمتّ صمت الموتى حينما تعاونت وتحالفت ايران مع امريكا لغزو العراق وافغانستان ولم تعترض على ذلك مع انه كان ومازال موقف ايران الرسمي والمعلن وادى الى انقلاب ستراتيجي خطير لصالح امريكا والصهيونية وحصول كوارث عربية مدمرة، كنتم ومازلتم تروجون الدعايات لصالح ايران وهي تحتل وتبيد وتغير الهوية العربية، فهل في هذا ذرة شرف ووطنية او انتماء قومي او اسلام حقيقي؟ كما سنقول مرة اخرى : اخرس ايها المرتزق او العميل الوسخ فان ايران لا تخوض حربا مع امريكا كما تدعون، لتغطية خياناتكم وعمالتكم وارتزاقكم لها، وانما هناك صراع تقاسم نفوذ ومناورات ولعبة عض اصابع بينهما من اجل تقاسم غنيمة الوطن العربي تتم تحت غطاء كثيف من اطلاق رصاص خلبي – زائف – لاجل التمويه على طبيعة الغزو الايراني ومنح ايران صفة ايجابية لا تتوفر فيها ابدا، والدليل الحاسم انه وطوال اكثر من ثلاثة عقود من معارك خلبية بين امريكا وايران طبول الحرب فيها كانت عالية جدا لم تطلق رصاصة واحدة حقيقية لا من امريكا ولا من اسرائيل على ايران ولا من ايران على امريكا واسرائيل!
ونحن نقول لكل دعاة الحروب الدينية والطائفية اننا لا نقاتل الصهيونية وكيانها لانه كيان يهودي، فلقد عاش اليهود بيننا قرونا بسلام دون حروب دامية، بل نحن نقاتل اسرائيل لانها كيان احتل اراضينا وطرد شعبنا من وطنه وبدأ عملية توسع امبريالي علني، فاصبح قتاله واجبا قوميا ووطنيا وضرورة ستراتيجية عظمى ولذلك فان اشعال حروب الاديان الان مهمة العملاء والسذج مغسولي الادمغة ممن يريدون تحويل الصراع من صراع تحرر وطني الى صراعات دينية غيبية لن نخرج منها الا مهزومين وهذا هو بالضبط ما خططت له الصهيونية وامريكا.
والاهم اننا ونحن نقول بان ايران عدو خطير جدا، نحن ضحاياها المباشرين تماما كما ان الشعب الفلسطيني الضحية المباشرة للصهيونية، لم نمد ايادينا الى امريكا ورفضنا اي صفقة او مساومة معها على حساب فلسطين ونهجنا القومي التحرري خصوصا في مجال النفط، وكانت النتيجة اسقاط نظامنا الوطني والحاق كوارث بالعراق بصورة عامة وبالبعث بصورة خاصة، والان وبعد كل ما واجهناه من كوارث نعيد تأكيد تصميمنا على اننا لن نمد يدنا لامريكا في حربنا المقدسة لتصفية الوجود الايراني في الوطن العربي، بعكس ما فعلت ايران ومازالت تفعل، واخر اعمال عارها تعاونها مع امريكا في عملية تسليم امريكا العراق لها.
ولابد ان يتذكر الجميع حقيقة تحسم اضطراب الضمير لدى بعض الوطنيين العرب وهي اننا وليس غيرنا كنا منذ عام 1991 ومازلنا حتى هذه اللحظة نقاتل امريكا في العراق وقدمنا اغلى التضحيات، خصوصا قوافل الشهداء الابرار، في سياق تلك الحرب المقدسة ضد امريكا المحتلة وسنبقى نقاتلها حتى يتحرر العراق كليا من اي وجود احتلالي امريكي، ونحن نتمسك بقاعدة بداهة لن تتغير وهي ان تصفية الوجود الاستعماري ايا كانت هويته ودينه، سواء كان يتبرقع بالمسيحية او الاسلام او اليهودية، هو واجبنا الاول، وان الاستعمار الايراني والاستعمار الامريكي – الصهيوني وجهان لعملة واحدة ولا يمكن وجود عملة بدون وجهين. وكما كنا ومازلنا نقول بان اليد التي تمتد لخدمة امريكا والصهيونية ضد الهوية والمصالح العربية يجب ان تقطع فاننا نقول بلا تردد ايضا بان اليد التي ستواصل دعم المخطط الاستعماري والامبريالي الايراني في الوطن العربي يجب ان تقطع ايضا، هل يوجد استعمار محمود واستعمار مذموم؟ ام ان الاستعمار واحد كله مذموم وقائم على الشر؟
يتبع........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق